recent
أخبار ساخنة

الزمكان (الجزء الرابع والأخير)

فى بداية الثمانينات ، كان حلم العلماء الأول هو بلوغ مرحلة ، اعتبروها ذروة الاتصالات والانتقالات فى الكون ، وأطلقوا عليها اسم (الانتقال الآنى) .. ومصطلح (الانتقال الآنى) هذا ينى الانتقال فى التو واللحظة ، من مكان إلى آخر ، ييعد عنه بمسافة كبيرة.. أو بمعنى أدق .. الانتقال الآن، وفورا .. وهذا الانتقال هو مانراه فى حلقات (رحلة النجوم) .. تلك الحلقات التليفزيونية الشهيرة ، التى تحولت إلى سلسلسة من أفلام الخيال العلمى الناجحة، بالاسم نفسه، والتى نرى فى كل حلقاتها شخصا على الأقل ، يدخل إلى أنبوب زجاجى، لينتقل بوساطة شعاع مبهر إلى أنبوب آخر ، فـى مكان آخر .. فكرة مثيرة مدهشة ، تختصر الزمان والمكان إلى أقصى حد ممكن ، وكل فكرة مثلها، نجحت فى إثارة اهتمام وخيال العلماء ، الذين يتعاملون مع كل أمر باعتباره ممكن الحدوث ، لو نظرنا إليه من زاوية ما ... 

وبينما اكتفى المشاهد العادى بالانبهار بالفكرة ، أو الاعتياد عليها ، كان العلماء يكدون ويجتهدون ؛ لإيجاد سبيل علمى واحد إليها.. وعدنى بأنك لن تشعر بالدهشة والمفاجأة، عندما أخبرك أنهم قد نجحوا فى هذا، إلى حد ما.. نعم .. نجحوا فى تحقيق ذلك (الانتقال الآنى) فى المعمل ، ولكن هذا لم ينشر على نطاق واسع.. السؤال هو لماذا ؟! ما داموا قد توصلوا إلى كشف مذهل كهذا ، فلماذا لم ينشر الأمر ، باعتباره معجزة علمية جديدة ، كفيلة بقلب كل الموازين رأسا على عقب ؟! والجواب يحوى عدة نقاط مهمة كالمعتاد .. فالانتقال ، الذى نجح فيه العلماء ، تم لمسافة تسعين سنتيمترا فحسب ، ومن ناقوس زجاجى مفرغ من الهواء ، إلى ناقوس آخر مماثل ، تربطهما قناة من الألياف الزجاجية السميكة التى يحيط بها مجال كهرومغنطيسى قوى .. ثم إن نلك (الانتقال الآنى) ، تحت هذه الظروف المعقدة ، والخاصة جدا، لم ينجح قط مع أجسام مركبة، أو حتى معقولة الحجم .. كل ما نجحوا فيه هو نقل عملة معدنية جديدة، من فئة خمسة سنتات أمريكية ، من ناقوس إلى آخر .. ثم إنه لم يكن انتقالا آنيا على الاطـلاق ، إلا لو اعتبرنا أن مرور ساعة وست دقائق ، بين اختفاء العملة الناقوس الأول ، وحتى ظهورها فى الناقوس الثانى، أمرا آنيا !! لذا، ولكل العوامل السابقة ، اعتبر علماء أوائل الثمانينات أن تجاربهم ، الخاصة بعملية الانتقال الآنى قد فشلت تماما.. 
ولكن علماء نهاية التسعينات نظروا إلى الأمر من زاوية مختلفة تماما .. فمن وجهة نظر بعضهم، كان ما حدث انتقالا عبر (الزمكان) ، أو عبر الزمان والمكان معا ، وليس انتقالا آنيا بالمعنى المعروف .. ومن هذا المنطلق ، أعادوا التجربة مرة أخرى ، ولكن من منظور مختلف تماما، يناسب الغرض الذى يسعون إليه هذه المرة .. ولتحقيق الغرض المنشود ، رفعوا درجة حرارة العملة المعدنية هذه المرة، وقاسوها بمنتهى الدقة ، وبأجهزة حديثة للغاية ، وحسبوا معدلات انخفاضها ، فى وسط مفرغ من الهواء ، ثم بدءوا التجربة .. وفى البداية ، بدا وكأن شيئا لم يتغير .. قطعة العملة اختفت من الناقوس الأول ، ثم عادت إلى الظهور فى الناقوس الثانى ، بعد ساعة وست دقائق بالتحديد .. ولكن العلماء التقطوا العملة هذه المرة ، وأعادوا قياس درجة حرارتها بنفس الدقة ، ونفس الأجهزة الحديثة للغاية .. ثم صرخوا مهللين .. فالانخفاض الذى حدث، فى درجة حرارة العملة المعنية الصغرة، كان يساوى، وفقا للسابك النيقة ، أربع ثوان من الزمن فحسب .. وهذا يعنى أن فرضيتهم الجديدة صحيحة تماما .. فتلك السنتات الخمسة الأمريكية قد انتقلت ، ليس عبر المكان وحده، ولكن عبر الزمان أيضا .. أو بالمصطلح الجديد ، عبر (الزمكان) .. فعلى الرغم من أن الزمن الذى سجله العلماء فعليا ، لانتقال تلك العملة ، من ناقوس إلى آخر ، هو ساعة وست دقائق ، إلا أن زمن الانتقال ، بالنسبة لها هى، لم يتجاوز الثوانى الأربع .. 
انتصار ساحق لنظرية السفر عبر الزمن .. ولكنه يحتاج إلى زمن طويل آخر ، لوضعه موضع الاعتبار ، أو حتى لوضع قاتمة بقواعده ، وشروطه، وموصفاته .. فالمشكلة ، التى ما زالت تعترض كل شيء ، هى أن تلك النواقيس المفرغة مازالت عاجزة عن نقل جسم مركب واحد ، مهما بلغت دقته ، أو بلغ صغره .. لقد حاول العلماء هذا .. حاولوا ، وحاولوا، وحاولوا... وحاولوا.. وفى كل مرة ، كانت النتائج تأتى مخيبة للآمال بشدة ، فالجسم المركب، الذى يتم نقله، تمتزج أجزاؤه ببعضها ، على نحو عشوائى، يختلف فى كل مرة عن الأخرى .. ليس كما يمكن أن يحدث ، لو أننا صهرنا كل مكوناته بعضها مع البعض ، ولكنه امتزاج من نوع عجيب ، لايمكن حدوثه فى الطبيعة، حيث تذوب بعض الجزيئك فى بعضها ، لتمنحنا فى النهاية شيئا لا يمكن وصفه .. ووفقا لهذا ، فالسفر عبر الزمن مازال يحمل تلك الصفة المزدوجة المتناقضة ، التى تثير حيرة الكل بلا استثناء.. إنه ممكن ومستحيل ، فى آن واحد .. ممكن جدا ؛ بدليل أنه يحدث من آن إلى آخر .. ومستحيل جدا؛ لأنه لا توجد وسيلة واحدة لكشف أسرار وقواعد حدوثه ، فى أى زمن . بل ولا توجد حتى وسيلة للاستفادة منه .. 
ولقد كاد الأمر يصيب العلماء بإحباط نهائى ، لولا أن ظهر عبقرى آخر ، فى العصر الحديث ، ليقلب الموازين كلها رأسا على عقب مرة أخرى .. إنه (ستيفن هوكنج) ، الفيزيائى العبقرى ، الذى وضع الخالق (عز وجل ) قوته كلها فى عقله ، وسلبها من جسده ، الذى أصيب فى حداثته بمرض نادر ، جعل عضلاته كلها تضمر وتنكمش ، حتى لم يعد باستطاعته حتى أن يتحرك ، وعلى الرغم من هذا فهو أستاذ للرياضيت بجامعة (كمبردج) البريطانية ، ويشغل المنصب ذاته ، الذى شغله (اسحق نيوتن) ، واضع قوانين الجاذبية الأولى ، منذ ثلاثة قرون . والعجيب أن (ستيفن هوكنج) قد حدد هدفه منذ صباه ، ففى الرابعة عشرة من عمره، قرر أن يصبح عالما فيزيائيا .. وهذا ما كان .. ولقد كشف (ستيفن هوكنج) عن وجود أنواع أخرى من الثقوب السوداء، أطلق عليها اسم ( الثقوب الأولية) ، بل وأثبت أن تلك الثقوب تشع نوعا من الحرارة ، على الرغم من قوة الجذب الهائلة لها .. ومع كشوفه المتتالية ، التى قوبلت دوما باستنكار أولى ، ثم انبهار تال ، فتح (هوكنج) شهية العلماء ؛ للعودة إلى دراسة احتماليات السفر عبر (لزمكان) الكونى؛ لبلوغ كواكب ومجرات، من المستحيل حتى تخيل فكرة الوصول إليها بالتقنيات المعروفة حاليا.. 
وهنا ظهرت إلى الوجود مصطلحات وكشوف جديدة ، مثل أنفاق منظومة الفضاء والزمن ، والدروب الدوارة ، والنسيج الفضائى، وغيرها، وكل مصطلح منها يحتاج إلى سلسلة من المقالات لوصفه ، وشرح، وتفسير أبعاده المعقدة، وأهميته المدهشة فى عملية السفر عبر الزمان والمكان .. أو (الزمكان) .. وأصبح ذلك المصطلح يضم قائمة من العلماء ، إلى جوار (ألبرت أينشتين) ، مثل (كارل شفارتز شيلد) ، و(مارتن كروسكال) ، و (كيب ثورن) ، و(ستيفن هوكنج) وبالنسبة للمعادلات الرياضية ، مازال السفر عبر الزمن ممكنا ، ومازال هناك احتمال لأن يسير الزمن على نحو عكسى ، فى مكان ما من الفضاء أو الكون ، أو حتى فى بعد آخر ، من الأبعاد التى تحدث عنها (أينشتين) والآخرون .. 
وما زالت هناك عمليات رصد لأجسام مضادة ، تسير عكس الزمن، وتجارب علمية معملية، تؤكد احتمالية حدوث هذا الأمر الخارق للمألوف ، تحت ظروف ومواصفات خاصة ودقيقة جدا.. ومازال العلماء يجاهدون ، ويعملون ، ويحاولون.. ولكن يبقى السؤال نفسه، حتى لحظة كتابة هذه السطور هل يمكن أن تتحول قصة (آلة الزمن) يوما ما إلى حقيقة ؟! وهل يتمكن البشر يوما من السفر عبر (الزمكان) ، إلى الماضى السحيق ، أو المستقبل البعيد ؟! هل ؟! من يدرى ؟! ربما! 
تمت بحمد الله
إلى اللقاء مع موضوع جديد 
بالعلم والعقل 
الرجل الذى رأى الغد (نوستراداموس) 
الزمكان (الجزء الرابع والأخير)
منتدى مصطفى شاهين التعليمى

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent